جين عفرين : حوران : داعل : عاجل : انتشار كثيف جداً لقوات الأمن التي وصلت مدينة داعل في المقبرة التي يتم فيها اليوم تشييع الشهيد البطل محمد الجاموس و الشهيد البطل مالك أبوزيد رغم أن الأمن و الجيش يمنعون تواجد أكثر من عشرين شخص في كل تشييع ... إلى جنان الخلد يا أحباب ... إلى جنان الخلد يا أصحاب ... إلى جنان الخلد يا قرايب ...




 

القائد: عبد الله أوجلا









يستلزم النظر عن كثب هنا في المرحلة المقاربة لعشرة سنين حتى حين قفزة 15 آب المجيدة في 1984، وإدراك الوسط الأيديولوجي والسياسي الذي هيمن عليها.

تُعتَبَر أعوام السبعينات بداية ظهور انكسارٍ وانحدارٍ هامَّين في تاريخ النظام الرأسمالي. فقد لملم هذا النظام أشتاته بعد الحرب العالمية الثانية، واستحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على ريادته، بينما نجحت أوروبا في الوقوف على رجليها والثبات ثانية، ووُلِدَت اليابان كدولة عملاقة في الشرق الأقصى. وبينما وصل نظام الاشتراكية المشيدة ذروته، كانت الحركات التحررية الوطنية في أوج ازدهارها. في هذه النقطة بالذات، كانت الحركات الشبيبية تبتدئ بثورة ذهنية جديدة في عام 1968.

وصلنا إلى مفترق طرق؛ فإما أن نكون حركة لاجئة، أو حركة تحررية وطنية معاصرة، أي حركة تحررية شعبية. لقد كان لَوذُ حركة الحرية بالصمت الطويل الأمد، يلقي علينا مسؤولية ثقيلة الوطأة، قد لا نطيق تحمل عواقبها أمام التاريخ. خاصة وإن شهداء السجون وأجواء التعذيب، كانت تحتِّم القيام بعمل ما، وإلا، فلن نفلح في النجاة من التطبع بالخيانة. كانت قفزة 15 آب 1984 المجيدة – رغم تأخرها ونواقصها – رداً على هذه المخاوف.

لم يتحَلَّ موقف الدولة بالجدية اللازمة في عهد رئاسة أوزال الجديدة. فنظرتها إلى الأنصار (الكريلا) على أنهم "حفنة من الذعران" لم يعطِ، ولو بصيصاً من الأمل، في حصول أي تقرب سياسي منا. بل كان يُنتَظَر سحقنا في أقرب فرصة، استناداً إلى الثقة اللامحدودة بالقوة العسكرية التقليدية. وتحاملوا علينا بالدعاية الضوضائية. مع ذلك، لم يُحرَز أي نصر يذكر حتى أواخر عام 1984. كانت الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام حرب الأنصار، إلا أن إضافة العراقيل المزروعة على يد "الحزب الديمقراطي الكردستاني KDP" إلى العوامل الداخلية الثقيلة الوطأة علينا، كان يُزيد من استحالة القيام بالانطلاقات القوية والجبارة المرجوة. كانت ردود أفعال الشعب إيجابية، لكنها افتقرت إلى كوادر قيادية حقيقية قادرة على إدارة الحركة وتنظيمها، دون الوقوف بموقف المتفرج. تركت هذه المشكلة بصماتها على كل السلبيات الظاهرة، منذ البداية وحتى النهاية.

اتسمت الانتقادات التي وجهها كل من كمال بير ومعصوم قورقماز بشأن الكفاح المسلح، بالواقعية. ربما كانا رفيقين عزيزين كفوءين للقيام بما هو مطلوب منهما. إلا إن استشهاد كمال بير في 1982 ومعصوم قورقماز في 1986، كان ضربة ساحقة لحقت بفرصة تطوير الحرب حسب قواعدها وأصولها. ومن ثم كان الانسحاب النسبي، وانعقاد مؤتمر PKK في 1986، كنشاط زاد من تفاقم الأزمة؛ ليس بسبب نقص الإمكانيات، بل لزيادة تأثير وتفشي مفهوم التربع على بعض الإمكانيات المخلوقة بصعوبة شاقة. فمواقف "كسيرة"* المغيظة كانت تثير الأعصاب وتوترها إلى أبعد الحدود. ورغم كل السلبيات، تجهزنا لعام 1987 بإرشادات شاملة وإمكانيات ظاهرة، للقيام ثانية بانطلاقة جدية. إلا إن ظاهرة السمسرة الداخلية، التي تغلغلت في أحشاء الحركة لتأخذ بُعداً واعياً ومقصوداً، إضافة إلى لامبالاة الكوادر الأساسية؛ شلَّ نشاطات الكثير من الأفراد القيِّمين والنبلاء والمتسمين بروح التضحية العليا والخارقة.

يمكننا القيام بالعديد من التقييمات المتنوعة الجوانب، وعلى كافة الأصعدة، بشأن الفترة المستمرة خمسة عشر عاماً، والممتدة بين 15 آب 1984 و15 شباط 1999؛ والتي بمقدورنا تسميتها بمرحلة الحرب ذات الكثافة المنخفضة. ومثلما يمكن تناول هذه الفترة من نواحيها القيادية والسياسية والعسكرية والممارسات الإدارية، فيمكن النظر إليها أيضاً من ناحية فن الحرب والسلطة. هذا بالإضافة إلى تحديد الأمور الأساسية الخاطئة منها والصحيحة، وكذلك الأعمال التي كان واجباً علينا القيام بها بالتأكيد، أو عدم القيام بها مطلقاً. هذا ويمكن معالجة الفترة على الصعيد العالمي أيضاً، وخصوصاً انهيار السوفييتات في بداية التسعينات، استلام كلينتون دفة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، أزمة العراق، وحملة العولمة الجديدة؛ ودراسة هذه المواضيع بشمولية تحليلية قصوى. ارتباطاً بذلك، يجب تحليل اليسار القديم وتجاوزه، ودراسة كيف يكون اليسار الحديث، وإعادة النظر أيضاً في اليوتوبيا الثورية، وفي المواضيع النظرية؛ بعد تحديد أماكن النقص في التقييمات الموجودة وتثبيت أخطائها، والعمل بالتالي على إكمالها وإتمامها.

أقولها صراحةً، إنني لم أكن أتصور حصول أمر من هذا القبيل. ولكني لم ألاقِ صعوبة في تفسير وتعليل الأوضاع والمستجدات الجارية، لمعرفتي اليقينة والسابقة لأحوال القاعدة الحزبية والكوادر. فالكوادر الأساسية كانت بعيدة عن أن تُحدِث التقدم والتجديد المرتقبين منذ تأسيس PKK رسمياً. لم نتوانَ قط عن تقديم مساعداتنا لهم في جميع الاتجاهات نظرياً وعملياً، وفي أحرج الظروف، ليحرزوا التقدم المطلوب. وبينما كنا نأمل القيام بقفزة نوعية، انطلاقاً من مراحل التدريب المتلقاة في منطقة الشرق الأوسط والظروف الملائمة والإمكانيات المتاحة والخبرات المكتسَبة؛ وجدنا أنهم لم يتورعوا عن عرقلة الأمور وإعاقتها حسب نواياهم الخفية. كما زاد من تضايقي وحنقتي باستمرار تأخرهم عن القيام بالحملات، مثلما حصل في قفزة 15 آب 1984، وتطبيقهم إياها على غير ما تصورناه. لقد سعيتُ بكل طاقتي لتوجيههم إلى الممارسة العملية وفق المتطلبات المنهجية منذ عام 1981، وذلك عبر العديد العديد من الكونفرانسات والمؤتمرات المنعقدة والاجتماعات والدروس التدريبية المجراة. ووجهتُ الانتقادات اللاذعة لهم. لكنهم اختاروا طريق إرغامي على قبول طرازهم هم بالأغلب. واستمروا بكل عناد في تصرفاتهم، التي كنت قد تناولتُها وشرحتُها في الفصول السابقة. وكنت قد أوجزت كيفية انتهاء هذه التصرفات بإزالة PKK وتصفيته.

خرج PKK قوياً من الكفاح الأيديولوجي الشاق فيما بين 1970 – 1980، ليترك بصمته على المرحلة في عموم كردستان، بشروعه بقفزة 15 آب 1984 المجيدة. حيث عمل، ولأول مرة في التاريخ، على اتخاذ الإرشادات الأيديولوجية والسياسية المعنية بالكادحين الكرد أساساً لذاته؛ ليفلح في ضمان استمرارية حركة الحرية الكردية – بكل ما أسفرت عنه من مشاكل وحلول – حتى يومنا الراهن، دون أن تفقد من تأثيرها شيئاً.

لستُ غريباً عن هذه المواقف، التي يمكن رؤيتها كامتداد للتصرفات والسلوكيات التي فرضتها علينا الشخصيات، منذ بدايات تكوين المجموعة الأولى وحتى إعلان الحزب PKK، والتي أبدت مواقف كيفية لأبعد الحدود، أثناء قفزة 15 آب المجيدة. إنها لم تعلل أسباب ذلك حتى اليوم، ولم تتحمل عبء المسؤولية الحقيقية، طيلة مرحلة الحرب المستمرة خلال خمسة عشر عاماً؛ بل ناءت عنها على الدوام. أما خطئي أنا، فيتمثل في تفضيلي للتقرب الرفاقي لأقصى حد من حقيقة المؤسسات والقواعد الموجودة، وذلك بذريعة "إنقاذ الشخص" عن قناعة، وانطلاقاً من إيماني بأنه "ستصلح أمورهم، وسيكتسبون الخبرات، ويَعْدِلون عن تصرفاتهم". المحصلة؛ الوضع الذي وقعتُ فيه.

من المعلوم أن مفهوم الحرب في قفزة 15 آب كان مستنداً إلى الحفظ عن ظهر قلب بأن القضايا الوطنية لا تُحل إلا بالحرب، مما يتطلب هذا بدوره المدح فيها إلى ما لانهاية، واللجوء إلى إله الحرب. إنه المبدأ الأقدس على الإطلاق. ويتحتم تأدية مستلزماته، فهذا مكتوب في الاشتراكية! جلي جلاء النهار أن هذا الموقف كان مشحوناً بالدوغمائية، وبعيداً عن دراسة الشروط التاريخية والاجتماعية الملموسة القائمة. لكنه يؤدي إلى التصرف بشكل معين على الصعيد المبدئي. لم تُحلَّل نظرية الحرب في الماركسية. بل استُدينت وأُخذت من المؤرخين الفرنسيين، الإقطاعيين منهم والبورجوازيين. في حين بقيت اجتهادات أنجلز المحدودة بعيدة عن شرحها بإيضاح. إذ لم تُعالج نظرية العنف ودورها في الإجراءات الاجتماعية والسلطة عموماً. ورغم تعشعش القوى الاستعمارية الحاكمة في المجتمع البورجوازي بالأغلب، إلا أن الحروب الوطنية نُظِرَ إليها وكأنها أساس اشتراكي آخر. فإذا كنتَ اشتراكياً، عليك خوض الحرب الوطينة.

ذكرنا على الدوام مدى ضرورة قفزة 15 آب، ومدى ملئها بالمقابل بالأخطاء والنواقص التطبيقية. وقُدِّمت انتقادات ذاتية مكثفة بصدد هذه الفترة من الحرب، التي شهدت البطولات العظمى بقدر السفالات المنحطة. حيث كان لها غنائمها، بقدر الخسائر المتكبدة فيها. لا شك في أن وحدات الدفاع الشعبي HPG المتمخضة عنها كامتداد لميراثها الزخم، ليست في وضع يسمح لها بالاستمرار في أساليبها القديمة. لكنها، بالمقابل، لن تبقى معدومة الدور والفاعلية. وبما أنه لم يستتب وقف إطلاق النار الدائمي، ولا السلام الدائمي بعد؛ فستبقى المشاكل التي عانتها HPG، والمهام الواجب عليها تأديتها، ومنزلتها ووضعها كماً ونوعاً، من المواضيع المطروحة للدراسة والمعالجة.

يتلخص الموضوع الهام الآخر في التطرق إلى دوري في كفاحنا المسلح. فنشاطاتي ما قبل قفزة 15 آب وما بعدها معروفة بعظمتها. إلا أن الفارق كان بارزاً للغاية، بين التطورات الحاصلة خلال الأعوام الخمسة عشر الأولى من المرحلة، وبين مفهومي في الحرب.

رغم النواقص والأخطاء الجدية البارزة، إلا أنه لا يمكن إنكار تجسيدي لانطلاقة ديمقراطية عظمى باسم كافة الشعوب عموماً، والشعب الكردستاني على وجه الخصوص. إذ من الساطع سطوع النهار محاولتي في تطوير تنظيم العقلية حتى عملية 15 آب. ومن الضروري القبول بأني اضطُرِرتُ للقيام بذلك، كحِبكة أو نسيج مختلط من تيارَي الاشتراكية المشيدة والتحرر الوطني، لعجزي عن الانطلاق به إلى سوية أكثر رفعة. تُعتَبَر الأعوام الخمسة عشر، المتراوحة بين 15 آب 1984 و15 شباط 1999، مرحلةَ عمليةِ تنظيم الذهنية وتطبيقها. أي أنها الفترة التي برزت فيها العملية، وأفصحت عن الممارسة العملية بأفضل أشكالها. وقد تجلى تعريفي لذاتي بشكل أوضح وأفضل مع مرحلة الممارسة العملية تلك. إذ يمكن القول، من خلال الحقيقة الظاهراتية التي مثلتُها، بأني اختبرتُ المشاكل وإمكانيات الحل لدى الفرد بصددها. لكن، عندما أقول "أنا"، فمن الضروري عدم الجنوح إلى المبالغة. فأنا مجرد وسيلة. أما ما برز إلى الوسط، فهو الشعب المنتسب لواقع اجتماعي مكبوت منذ آلاف السنين. ورغم تحليلي الفائق الجودة للألوهية، إلا أن المصطلحات الفنية التي استخدمتُها، كانت أقرب إلى العلمية.

تعلمون أني بذلت جهداً لتأمين السلام، بحيث يكافئ ما أبديته لإعداد حملة 15 آب. فالسلام يستلزم تراكماً نظرياً وقوة احتمال، بقدر ما تتطلبه الحرب، بأقل تقدير. وهو بالتأكيد ليس بنشاط يستهان به. فصعوباته ومشقاته تضاهي ما للحرب منها. وتوخيتُ الحساسية الفائقة في اتباع سلوك متوازن بصدد الدول، بقدر ما كان بشأن حركتنا.